فصل: ثم دخلت سنة إِحدى عشرة وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة تسـع وأربعمائة

في هذه السنة غزا يمين الدولة الهند على عادته فقتل وغنم وفتح وعاد إِلى غزنة مظفراً منصوراً‏.‏

وفيها مات عبد الغنـي بـن سعيـد الحافـظ المصـري صاحـب المؤتلـف والمختلـف‏.‏

وفيهـا توفـي أرسلـان خـان أبـو المظفـر بـن طغان خان علي ولما توفي مَلِكَ بلاد ما وراء النهر قدر خان يوسف ابن بغراخان هارون بن سليمان وتوفي قدر خان المذكور في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

  ثم دخلت سنة عشـر وأربعمائـة

وفيهـا توفي وثاب بن سابق النميري صاحب حران وملك بلاده بعده ولده شبيب بن وثاب‏.‏

  ثم دخلت سنة إِحدى عشرة وأربعمائة

 موت الحاكم بأمر الله

في هذه السنة لثلاث بقين من شوال فقد الحاكم بأمر الله أبو علي منصور ابن العزيز بالله العلوي صاحـب مصـر وكـان فَـقْده بـأن خـرج يطـوف بالليـل علـى رسمـه وأصبـح عنـد قبـر الفقاعـي وتوجه إِلى شرقي حلوان ومعه ركابيان فأعاد أحدهما مع جماعة من العرب ليوصلهم مـا أطلـق لهم من بيت المال ثم عاد الركابي الآخر وأخبر أنه خلف الحاكم عند العين والمقصبة فخرج جماعة من أصحابه لكشف خبره فوجدوا عند حلوان حمار الحاكم وقد ضربت يده بسيف وعليه سرجه ولجامه وأتبعوا الأثر فوجدوا ثياب الحاكم فعادوا ولم يشكوا في قتله وكان سبب قتله‏:‏ أنه تهدد أخته فاتفقت مع بعض القواد وجهزوا عليه من قتله وكان عمر الحاكم ستاً وثلاثين سنة وتسعة أشهر وولايته خمساً وعشرين سنة وأياماً وكان جواداً بالمال سفاكاً للدماء وكان يصدر عنه أفعال متناقضه يأمر بالشيء ثم ينتهي عنه‏.‏

وولي الخلافة بعده ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي بن منصور الحاكم بأمر الله وبويع له بالخلافة‏.‏

في اليوم السابع من قتل الحاكم وهو إذ ذاك صبي وكتبت الكتب إِلى بلاد مصر والشام بأخذ البيعة له وجمعت عمته أخت الحاكم واسمها ست الملك الناس ووعدتهم وأحسنـت إِليهـم ورتبـت الأمـور وباشـرت تدبيـر الملـك بنفسهـا وقويـت هيبتها عند الناس وعاشت بعد قتل الحاكم أربع سنين وماتت‏.‏

ملك شرف الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة العراق وفي هذه السنة في ذي الحجة شغبت الجند ببغداد على سلطان الدولة فأراد الإنحدار إِلى واسط فقال الجند له‏:‏ إِما أن تجعل عندنا ولدك وإما أخاك مشرف الدولة فاستخلف أخاه مشرف الدولة على العراق وسار سلطان الدولة عن بغداد إِلى الأهواز واستوزر في طريقه ابن سهلـان فاستوحـش مشـرف الدولـة مـن ذلـك وأرسـل سلطـان الدولـة وزيـره ابـن سهلـان ليخرج أخاه مشرف الدولة من العراق فسار إِليه واقتتلا فانتصر مشرف الدولة وأمسك ابن سهلان وسمله فلما سمع سلطان الدولة بذلك ضعفت نفسه وهرب إِلى الأهواز في أربعمائة فارس واستقر مشرف الدولة بن بهاء الدولة في ملك العراق وقطعت خطبة سلطان الدولة وخطب لمشرف الدولة في أواخر المحرم سنة اثنتي عشرة وأربعمائة‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة في الموصل قبض معتمد الدولة قرواش بن المقلد على وزيره أبي القاسم المغربي ثم أطلقه فيما بعد وقبض أيضاً على سليمان بن فهد وكان ابن فهد في حداثته بين يدي الصابي ببغداد ثم صعد إِلى الموصل وخدم المقلد ابن المسيب والد قرواش ثم نظر في ضيـاع قرواش فظلم أهلها ثم سخط قرواش عليه وحبسه ثم قتله وهو المذكور في شعر ابن الزمكدم في أبياته وهي‏:‏ سريت ونومي فيـه نـوم مشـردٍ كعَقـلِ سليمَـانَ بـن فهـد ودينـهِ علـي أولق فيه التفات كأنه أبـو جابـر فـي خطبـهِ وجنونهِ إِلـى أن بـدا نـور الصبـاح كأنـه سنا وجه قرواش وضوء جبينه وكان من حديث هذه الأبيات أن قرواشاً جلس في مجلس شرابه في ليلة شاتية وكان عنده المذكورون وهم البرقعيدي وكان مغنياً لقرواش وسليمان بن فهد الوزيـر المذكـور وأبـو جابـر وكان حاجبـاً لقـرواش فأمـر قـرواش الزمكـدم أن يهجـو المذكوريـن ويمدحـه فقـال هـذه الأبيـات البديهية‏.‏

وفيها اجتمع غريب بن معن ودبيس بن علي بن مزيد وأتاهم عسكر من بغداد وجرى بينهم وبين قرواش قتال فانهزم قرواش وامتدت يد نواب السلطان إِلى أعماله فأرسل قرواش يسأل الصفح عنه‏.‏

وفيها على ما حكاه ابن الأثير في حوادث هذه السنة في ربيع الآخر نشأت سحابة بإفريقية شديدة البرق والرعد فأمطرت حجارة كثيرة وهلك كل من أصابته‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

فيها مات صدقة بن فارس المازياري أمير البطيحة وضمنها أبو نصر شيرزاد بن الحسن بن مروان واستقر فيها وأمنت به الطرق‏.‏

وفيها توفي علي بن هلال المعروف بابن البواب المشهور بجودة الخط وقيل كان موته سنة ثلاث عشرة وكان عنده علـم وكـان يقـص بجامع المدينة ببغداد ويقال له ابن الستري أيضاً لأن أباه كان بواباً والبواب يلازم ستر الباب فلهذا نسب إِليه أيضاً وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد بن علي القارئ الكاتب البزار البغدادي‏.‏

وتوفي ابن البواب ببغداد ودفن بجوار أحمد بن حنبل‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو عبـد الرحمـن محمـد بـن الحسين السلمي الصوفي صاحب طبقات الصوفية‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الرحمن الفقيه البغدادي المعروف بصريع الدلاء قتيل الغواشي ذي الرقاعتين الشاعر المشهور وله قصيدة في المجون فمنها قوله‏:‏ وليس يخرا فـي الفـراش عاقـلٌ والفرش لا ينكر فيها من فسى من فاتـه العلـم وأخطـاه الغنـى فذاك والكلب على حال سوا وقدم مصر في السنة التي توفي فيها ومدح الظاهر لإعزاز دين الله‏.‏

أخبار اليمن من تاريخ اليمن لعمارة قال‏:‏ وفي هذه السنة أعني سنة اثنتي عشرة وأربعمائة استولى نجاح على اليمن حسبما سبقت الإشارة إليه في سنة ثلاث ومائتين ونجاح المذكور مولى مرجان ومرجـان مولى حسين بن سلامة وحسين مولى رشد ورشد مولى زياد وكان لنجاح عدة من الأولـاد منهـم‏:‏ سعيـد الأحـول وجيـاش ومعـارك وغيرهـم وبقـي نجـاح فـي ملك اليمن حتى توفي في سنـة اثنتيـن وخمسيـن وأربعمائـة‏.‏

قيـل إن الصليحـي أهـدى إليه جارية جميلة فسمت نجاحاً ومات بالسم‏.‏

ثـم ملـك بعـد نجـاح بنـوه وكبيرهـم سعيـد الأحـول بـن نجاح وبقي الأمر فيهم بعد موت نجاح سنتين وغلـب عليهـم الصليحـي علـى مـا سنذكـره فـي سنـة خمـس وخمسيـن وأربعمائـة فهرب بنو نجاح إِلى دهلك وجزائرها ثم افترقوا منها فقدم جياش متنكراً إِلى زبيد وأخذ منها وديعة كانت له ثم عـاد إِلـى دهلـك مـدة ملـك الصليحي‏.‏

وأما سعيد الأحوال فقدم إِلى زبيد أيضاً بعد عود أخيه جياش عنها واستتر بها وأرسل واستدعى جياشاً من دهلك وبشره بانقضاء ملك الصليحي وأن ذلك قد قرب أوانه فقدم جياش إِلى زبيد في اليوم التاسع من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة وقصدا الصليحي وكان الصليحي قد سار إِلى الحج فلحقاه عند أم الدهيم وبير أم معبد وبغتاه وقتلاه في ثاني عشر ذي القعدة من السنة المذكورة ومعه عسكر كثير فلم يشعروا إِلا بقتل الصليحي وكذلك قتل مع الصليحي أخوه عبد الله بن محمد وحز سعيد رأس الصليحي ورأس أخيه عبد الله واحتاط على امرأة الصليحي وهي أسماء بنت شهاب وسار عائداً إِلـى زبيـد وكـان لأسمـاء ابـن يقـال لـه الملـك المكـرم وكـان مالكـاً بعـض حصـون اليمـن ودخـل سعيـد بـن نجـاح وأخـوه جيـاش زبيـد فـي أواخـر سنـة ثلاث وسبعين وأربعمائة والرأسان قدامهما أمام هودج أسماء بنت شهاب وأنزل سعيد أسماء بدار في زبيد ونصب الرأسين قبالتها واستوسق الأمر بتهامة لسعيد بن نجاح واستمرت أسماء مأسورة إِلى سنـة خمس وسبعين وأربعمائة فأرسلت أسماء بالخفية كتاباً إِلى ابنها المكرم تستوحيه فجمع المكرم واسمـه أحمـد بـن علـي الصليحي جموعاً وسار من الجبال إِلى زبيد وجرى بينه وبين سعيد بن نجاح قتال شديد فانتصر الملك المكرم وهرب سعيد ومن سلـم معـه إِلـى دهلـك واستولـى المكرم على زبيد وأنزل رأسي الصليحي وأخيه ودفنهما وبنى عليهما مشهداً وولى المكرم على زبيد خاله أسعد بن شهاب وماتت أسماء المذكورة بعد ذلك في صنعاء سنة سبع وسبعين وأربعمائة‏.‏

ثـم عـاد بنـو نجـاح مـن دهلـك وملكـوا زبيـد وأخرجـوا أسعـد بـن شهـاب منهـا فـي سنـة تسع وسبعين وأربعمائة ثم غلب عليهم الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي وملك زبيد وقتل سعيد بن نجـاح فـي سنـة إحـدى وثمانيـن وأربعمائـة وقيـل سنـة ثمانين ونصب رأسه مدة ولما قتل سعيد في السنة المذكورة هرب أخوه جياش إِلى الهند وأقام جياش في الهند ستة أشهر ثم عاد إِلى زبيد فملكها في بقايا سنة إِحدى وثمانين المذكورة وكان قد اشترى من الهند جارية هندية فأقدمها معه وهي حبلى منه فلما حصل في زبيد ولدت له ابنه الفاتك بمن جياش وبقي المكـرم فـي الجبـال يوقـع الغـارات علـى بلـاد جياش ولم يبق له من القدرة على غير ذلك‏.‏

ولم يزل جيـاش مالكـاً لتهامـة مـن اليمن من سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة إِلى سنة ثمان وتسعين وأربعمائة فمات في أواخرها وقيل إِن موته كان في سنة خمسمائة وترك عدة أولاد منهم‏:‏ الفاتك ابن الهندية ومنصور وإبراهيم فتولى بعده ابنه فاتك بن جياش وخالف عليه أخوه إبراهيم ثم مات فاتك في سنة ثلاث وخمسمائة وخلف ولده منصوراً فاجتمعت عليه عبيد أبيه فاتك وملكـوه وهـو دون البلـوغ فقصـده عمـه إِبراهيم وقاتله فلم يظفر إِبراهيم بطائل وثار في زبيد عم الصبي عبد الواحد بن جياش وملك زبيد فاجتمع عبيد فاتك على منصور واستنجـدوا وقصدوا زبيد وقهروا عبد الواحد واستقر منصور بن فاتك في الملك بزبيد ثم ملك بعد منصـور بـن فاتـك ولـده فاتـك بـن منصور بن فاتك‏.‏

ثم ملك بعد فاتك الأخير المذكور ابن عمه واسمـه أيضـاً فاتـك بـن محمـد بن فاتك بن جياش بن نجاح مولى مرجان في سنة إِحدى وثلاثين وخمسمائة واستقر فاتك بن محمد المذكور في ملك اليمن من السنة المذكورة حتى قتله عبيد في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وهو آخر ملوك اليمن من بني نجاح‏.‏

ثم تغلب على اليمن في سنة أربع وخمسين وخمسمائة علي بن مهدي على ما سنذكره إِن شاء الله‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وأربعمائة

فيها كان الصلح بين مشـرف الدولـة وأخيـه سلطـان الدولة واستقر الحـال علـى أن يكـون العـراق جميعـه لمشـرف الدولـة وكرمـان وفـارس لسلطـان الدولـة‏.‏

وفيهـا استـوزر مشـرف الدولـة أبـا الحسـن بـن الحسـن الرخجـي ولقـب مؤيـد الملك وامتدحه المهيار وغيره من الشعراء وبنى مارستان بواسط وجعل عليه وقوفاً عظيمة وكان يسأل في الوزارة ويمتنع فألزمه مشرف الدولة بها في هذه السنة‏.‏

وفيها توفي علي بن عيسى السكري‏.‏

شاعر السنة وسمي بذلك لإكثاره من مدح الصحابة ومناقضته شعراء الشيعة وفيها توفي عبد الله بن المعلم فقيه الإمامية ورثاه المرتضى‏.‏

  ثم دخلت سنة أربـع عشرة وأربعمائة

في هذه السنة استولى علاء الدولة أبو جعفر بن كاكوية على همذان وأخذها من صاحبها سماء الدولة أبي الحسن بن شمس الدولة من بني بويه ولما ملك علاء الدولة همذان سار إِلى الدينور فملكها ثم ملك شابور خواشت أيضاً وقْويـت هيبتـه وضبـط المملكـة‏.‏

وفـي هـذه السنـة قبـض مشرف الدولة على وزيره الرخجي واستوزر أبا القاسم المغربي واسمه الحسين الذي تقدم ذكره أنه كان وزير القرواش وكان أبوه من أصحاب سيـف الدولـة بـن حمـدان وسـار إِلى مصر وولد له أبو القاسم المذكور بها سنة سبعين وثلاثمائة ثم قتل الحاكم أباه فهرب أبو القاسم إِلى الشام وتنقْل في الخدم‏.‏

وفـي هـذه السنـة غـزا يميـن الدولـة محمـود بلـاد الهنـد وأوغـل فيـه وفتـح وغنـم وعـاد سالمـاً‏.‏

وفـي هـذه السنة توفي القاضي عبد الجبـار وقـد جـاوز التسعيـن وكـان متكلمـاً معتزليـاً ولـه تصانيـف مشهورة في علم الكلام‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس عشرة وأربعمائة

وفاة سلطان الدولة في هذه السنة في شوال توفي الملك سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة بشيراز وعمره اثنتان وعشرون سنة وأشهر‏.‏

فاستولى أخوه قوّام الدولة أبو الفوارس بن بهاء الدولة ملك كرمان على مملكة فارس وكان أبو كاليجار بن سلطان الدولة بالأهواز فسار إِلى عمه واقتتلا فانهزم عمه أبو الفوارس واستولى أبو كاليجار بن سلطان الدولة على شيراز وسائر مملكة أبيه بفارس ثـم أخرجـه عمـه أبـو الفوارس عنها ثم عاد أبو كاليجار فملكها ثانياً وهزم عمه قوّام الدولة وملك شيراز واستفر في ملك أبيه‏.‏

وفيها توفي علي بن عبيد الله بن عبد الغفار السمساني اللغوي كان فيمن يعلم اللغة وكتب الأدب التي عليها خطه مرغوب فيها‏.‏

  ثم دخلت سنة سـت عشـرة وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة عـاد أيضاً يمين الدولة إِلى غزو بلاد الهند وأوغل فيه وفتح مدينة الصنم المسمى بسومنات وهذا الصنم كان أعظم أصنام الهند وهم يحجـون إِليه وكان له من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف ضيعة وقد اجتمع في بيت الصنم من الجواهر والذهب ما لا يحصى فقتل يمين الدولة فيها من الهنود ما لا يحصى وغنم تلك الأموال وأوقد على الصنم ناراً حتى قدر على كسره من صلابة حجره وكان طوله خمسة أذرع منها ثلاثة بارزة وذراعان في البناء وأخذ بعض الصنم معه إِلى غزنـة وجعلـه عتبـة للجامع‏.‏

  وفاة مشرف الدولة

وفي هذه السنة في ربيع الأول توفي مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة وعمره ثلاث وعشرون سنة وأشهر وملكه خمس سنين وخمسة وعشرون يوماً وكان عادلاً حسن السيرة‏.‏

وفيهـا قتـل علي بن محمد التهامي الشاعر المشهور صاحب المرثية المشهورة التي عملها في ولد صغير له مات التي منها‏:‏ حكم المنية فـي البريـةِ جـاري ما هذه الدنيا بدار قرارِ طُبعتْ على كَدر وأنتَ تُريدها صفـواً من الأقذاء والأكدارِ ووصـل التهامـي المذكـور إِلـى القاهـرة متخفيـاً ومعـه كتـب مـن حسـان بـن مفرج ابن دغفل البـدوي إلـى بنـي قـرة فعلـم بأمـره وحبـس فـي خزانـة البنـود ثم قتل بها محبوساً في التاريخ المذكور والتهامي منسوب إِلى تهامة وهي تطلق على مكة ولذلك قيل للنبي صلى الله عليه وسلم تهامي لأنه منها وتطلق على البلاد التي بين الحجاز وأطراف اليمن‏.‏

  ثم دخلت سنة سبـع عشـرة وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة تسلـط الأتـراك فـي بغـداد فأكثروا مصادرات النـاس وعظـم الخطـب وزاد الشـر ودخـل فـي الطمـع العامـة والعيارون وذلك بسبب موت شـرف الدولـة وخلـو بغـداد مـن سلطـان‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو بكـر عبـد اللـه بـن أحمـد بـن عبـد اللـه الفقيه الشافعـي المعـروف بالقفـال وعمـره تسعـون سنـة وله التصانيف النافعة وكان يعمل الأقفال ماهراً في عملها واشتغل على كبر وفاق أهل زمانه يقال كان عمره لما ابتدأ بالاشتغال ثلاثين سنـة وأبـو بكـر القفال المذكور غير أبي بكر القفال الشاشي المقدم ذكره في سنة خمس وستين وثلاثمائة والقفال المذكور اسمه عبد الله وكنيتـه أبـو بكـر وأمـا القفـال الشاشـي المقـدم الذكـر اسمه وكنيته أبو بكر‏.‏

  ثم دخلت سنة ثماني عشرة وأربعمائة

ملك جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة بغداد في هذه السنة سار جلال الدولة من البصرة إِلى بغداد وكان قد استدعاه الجند بأمر الخليفة لما حصل من النهب والفتن ببغداد لخلوها من السلطان فدخلها ثالث رمضان وخرج الخليفة القادر لملتقاه وحلفه واستوثق منه واستقر جلال الدولة في ملك بغداد‏.‏

وفي هذه السنة توفي الوزير أبو القاسم الغربي الذي تقدم ذكره وعمره ست وأربعون سنة‏.‏

وفيها سقط بالعراق بَرَدٌ كبار وزن البَرَدة رطل ورطلان بالبغدادي وأصغره كالبيضة‏.‏

وفيها نقضـت الـدار التـي بناها معز الدولة بن بويه ببغداد وكان قد غرم عليها ألف ألف دينار وبذل في حكاكة سقف منها ثمانية آلاف دينار‏.‏

وفي هـذه السنـة أعنـي سنـة ثمانـي عشـرة وأربعمائـة توفـي الأستـاذ أبـو إسحـاق إِبراهيـم بـن محمـد بـن إِبراهيم بن مروان الاسفرائيني ويلقب ركن الدين الفقيه الشافعي المتكلم الأصولي أخذ عنه الكلام عامة شيوخ نيسابور وأقر أهل خراسان له بالعلم وله التصانيف الجليلة في الأصول والرد‏.‏

على الملحدين وهو أحد من بلغ حد الاجتهاد من العلماء لتبحره في العلوم واختلف إِلى مجلسه أبو القاسم القشيري وأكثر الحافظ أبو بكر البهيقي الرواية عنه‏.‏

وفيهـا توفـي أبو القاسم بن طباطبا الشريف وله شعر جيد واسمه أحمد بن محمد بن إِسماعيل بـن إِبراهيـم طباطبـا بـن إِسماعيـل بـن إِبراهيـم بـن الحسـن بـن الحسـن ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نقيب الطالبيين بمصر وكان من أكابر رؤسائها وطباطبا لقب جده لقّب بذلك لأنه كان يلثغ فيجعل القاف طاء طلب يوماً قماشه فقال غلامه‏:‏ أجيب دراعة فقال‏:‏ لا طباطبا يريد قباقيا فبقي عليه لقباً ومن شعره‏:‏ كأن نجوم الليل سارتْ نهارها فوافت عشاء وهي أنضاء أسفارِ وقد خيمتْ كي تستريح ركابها فلا فلكُ جارٍ ولا كوكب ساري

  ثم دخلت سنة تسـع عشـرة وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة فـي ذي القعـدة توفـي قـوام الدولـة أبـو الفـوارس بن بهاء الدولة صاحب كرمـان فسـار ابـن أخيـه أبـو كاليجـار ابـن سلطـان الدولـة صاحـب فارس إِلى كرمان واستولى عليها بغير حرب‏.‏

  ثم دخلت سنة عشريـن وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة استولى يمين الدولة محمود بن سبكتكين على الـري وقبـض على مجد الدولة بن فخر الدولة علي بن ركن الدولة حسن بن بويه صاحب الري وكان سبب ذلك أن مجد الدولة اشتغل عن تدبير المملكة بمعاشرة النساء ومطالعـة الكتـب فشغبت عليه جنده فبعث يشكو جنده إِلى يمين الدولة محمود وعلم محمود بعجزه فبعث إِليه عسكـراً قبضـوا علـى مجـد الدولـة واستولـى علـى الـري‏.‏

وفـي هـذه السنـة كـان قتـل صالـح بـن مرداس أمير بني كلـاب صاحـب حلـب علـى مـا سبـق ذكـره فـي سنـة اثنتيـن وأربعمائـة وفـي هـذه السنـة توفـي

  ثم دخلت سنة إِحدى وعشرين وأربعمائة

  وفاة السلطان محمود

وفي هذه السنة في ربيع الآخر توفي محمود بن سبكتكين ومولده في عاشورا سنة ستين وثلاثمائة وكان مرضه إِسهالاً وسوء مزاج وبقي كذلك نحو سنتين وكان قوي النفس فلم يضع جنبه في مرضه بل كان يستند إِلى مخدته حتى مات كذلك وأوصى بالملك لابنه محمد بن محمود وكان أصغر من مسعود فقعد محمد في الملك وكان أخوه مسعود بأصفهان فسار نحو أخيه محمد فاتفق أكابر العسكر وقضوا على محمد وحضر مسعود فتسلـم المملكـة واستقـر فيها وأطلق أخاه محمداً وأحسن إِليه‏.‏

ثم قبض مسعود على القواد الذين قبضوا أخاه محمداً وسعوا لمسعود في المملكة‏.‏

وهذا عاقبة غدرهم‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة

في هذه السنة سير السلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين عسكراً فاستولى على التيز ومكران‏.‏

ملك الروم مدينة الرها وكانت الرها لعطير من بني نمير فاستولى أبو نصر بن مروان صاحب ديار بكر على حران وجهـز مـن قتـل عطيـراً صاحـب الرهـا فأرسـل صالـح بـن مرداس يشفع إلى أبي نصر بن مروان في أن يـرد الرهـا إِلـى ابن عطير ابن والي شيل بينهما نصفين فقبل شفاعته وسلمها إِليهما في سنة ست عشرة وأربعمائة وبقيت المدينة معهما إلى هذه السنة فراسل ابن عطير أرمانوس ملك الروم وباعه حصته من الرها بعشرين ألف دينار وعدة قرى وحضر الروم وتسلموا برج ابن عطير فهرب أصحاب ابن شبل واستولى الروم على البلد وقتلوا المسلمين وخربوا المساجد‏.‏

وفاة القادر باللّه خلافة القائم بأمر اللّه وهو سادس عشرينهم فـي هـذه السنـة فـي ذي الحجـة توفي القادر بالله أبو العباس أحمد بن الأمير إِسحاق بن المقتدر وعمره ست وثمانون سنة وعشرة أشهر وخلافته إِحدى وأربعون سنة وشهر ولما مات القادر باللـه جلـس فـي الخلافـة ابنـه القائـم بأمـر اللـه أبـو جعفر عبد الله بن القادر وكان أبوه قد عهد إِليه وبايع له بالخلافة فجددت البيعة وأرسل القائم أبا الحسن الماوردي إلى الملك أبي كاليجـار

فأخذ البيعة عليه للقائم وخطب له في بلاده‏.‏

ملك الروم قلعة فامية في هذه السنة سارت الروم ومعهم حسان بن مفرج الطائي وهو مسلم وكان قد هرب إليهم حيـن انهـزم على الأدرن من عسكر الظاهر العلوي فسار مع الروم إلى الشام وعلى رأس حسان المذكور علم فيه صليب ووصلوا إلى فامية فكبسوها وغنموا ما فيها وملكوا قلعتها وأسروا وسبوا‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

فيها شغبت الجند ببغداد على جلال الدولة ونهبوا داره وأخرجوه من بغداد وكتبوا إلى الملك أبي كاليجار يستدعونه إلى بغداد فتأخر وكان قد خرج جلال الدولة إلى عكبـرا ثـم وقـع الاتفـاق وعـاد جلـال الدولـة إلـى بغـداد‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي قدر خان يوسف بن بغراخان هروبن بن سليمان وصح بلاد التيرة من الكفر وكان قد ملك بلاد ما وراء النهر في سنة تسع وأربعمائة ولما مات قدر خان ملك بعده ابنه عمر بن قدر خان‏.‏

  ثم دخلت سنة أربـع وعشريـن وأربعمائـة

فيهـا قبض مسعود بن محمود على شهر يوش صاحب ساوه وقم وتلك النواحي وكان قد كثر أفاه على حجاج خراسان وغيرهم فأرسل مسعود عسكراً إليه فقبضوا عليه وأمر به فصلب على سور ساوة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن الحسين الميمندي وزير السلطان محمود وأبيه مسعود أقول‏:‏ ينبغي تحقيق ذلك‏.‏

فإنه ورد أن محموداً قتل وزيره المذعور فيتأمل ذلك‏.‏

وفيها توفي القاضي ابن السماك وعمره خمس وتسعون سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وعشرين أربعمائة

فيها فتح الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين قلعة سرستي وما جاورها من بلاد الهند وكانت حصينة وقصدها أبـوه مـراراً فلـم يقـدر علـى فتحها فطم مسعود خندقها بالشجر والقصب السكر وفتحها الله عليه فقتل أهلهـا وسبـى ذراريهم‏.‏

وفيها توفي بدران بن المقلد صاحب نصيبين فقصد ولده قريش عمه قرواشاً فأقر عليه حاله وماله وولاية نصيبين واستقر قريش بها‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وعشرين وأربعمائة

فيها انحل أمر الخلافة والسلطنة ببغداد وعظم أمر العيارين وصاروا يأخذون أموال الناس ليلا ونهاراً ولا مانع لهم والسلطان جلال الدولة عاجز عنهم لعدم امتثال أمره والخليفة أعجز منه وانتشرت العرب في البلاد فنهبوا النواحي وقطعوا الطريق‏.‏

وفيها وصلت الروم إلى ولاية حلب فخرج إليهم صاحبها شبل الدولة بن صالح ابن مرداس وتصاففوا واقتتلوا فانهزمت الروم وتبعهم إلى إعزاز وغنم منهم وقتل‏.‏

وفيهـا قصـدت خفاجـة الكوفـة فنهبوهـا‏.‏

وفيهـا توفـي أحمد بن كليب الشاعر وكان يهوى أسلم بن أحمد بن سعيد فمات كمداً في هواه فمن قوله فيه‏:‏

وأسلمني في هوا ** هـ أسلم هذا الرشا

غـزال له مقلة ** يصيب بها مـن يشـا

وشى بيننا حاسد ** سيسأل عما وشى